الثّالِثة أمام اللَّيل أو خلْف الصّباح. تاهَ الزّمن! لم أُشْعِل أي مصْباح، اصْطَدمتُ بالفوْضى التي تُحيطني من كل جانب، تلمَّسْت الطَّريق، أخيراً أمسَكتُه، ليس الذي فرّ بعيداً، بلِ الذي ظلّ يُناديني منذ ساعّات طويلة، انه ذلك الجامِد الخشَبي. في الخارِج لا يوجد ضوء، كالعادة ولا مخلوق، لكن أنا! لست عادياً، ربَّما لا أوجَد كذلك، حالة لا توصَف، والغَضَب... تَطَلَّعْت إلى السَّماء، إنَّها لا تَظْهَر، اخْتَفَت خَلْف الغُبار، حَتَّى ظَنَنْتُها تَحث أقْدامي! لكنِّي أشعُر أنّ أقدامي لا تَحْمِلاني، إنَّها حَياة جامِدة... حتَّى الرِّياح مُتَوقِّفة عن الصَّفير، إلاَّ قَلْبي لَيَزال يَخْفَق بِسُرْعة من شِدَّة الاصْطِدام.
أتَيْتُ إلى هنا منْدُ مائة عام أو ما يَزيد لكن لسْت أنا الذي كُنْتُه، مُجَرَّد أشْباح تَتَصَرَّف بِدون مَشيئة. منذ بِداية شبابي نَمت زُغَيْبات بيْضاء في شعر رأسي، رأيْت الجَلاميد تَتَحَوَّل إلى ثُراب و العَكس، عانَيْت من المَطَر و الشَّمس، رَكَبت قَوارِب الموْت، و لم أَفْلح، من طَبْعي الفَشَل حتى في طَريقَة أكْلي و نَوْمي، كان من الطَّبيعي أن أكون أَكْبر من سِنِّي، و تظْهَر هذه التَّجاعيد الدَّخيلة، فيَكون الاكْتِئاب عرْشٌ فوق رأسي، أحْمِلُه حيْثُما اتَّجَهت. أنا شيْخ في مَطْلع العُمر، شيخ سِلبي لا يَسْتغلُّ خزَّانَه من التَّجارب، لا يـَنصح و لا يُنصح. أعْملُ هذه الأعْمال البَئِيسة، ليس لي يدي مهارة معيَّنة، لأنّي احْتَرفتُ اخْتِلاس السَّاعّات أيّام دِراستي، التَّدخين و لَعِب "الكارْطة" قُرب جُدْران المَدرسة و مُضاجَعَة فَتَيات ذَنْبَهُنّ أنَّهُن يَتَوَفَّرن على أثْداء، ساعة الطَّرد من الثّانوي، تَلتها سِنين من الصَّدمة ثُم الاصْطِدام... قَصْرٌ هَش في مُواجهة عَواصِف لا تَنْتَهي. طيلة شَهر أجْني ما أصْرِفه في عَشْرة أيَّام، أقْتَرض، و أهْرُب كَجَبان، قد أحْتاجُ إلى تَغيِير الأجْواء لمَّا يَضيق الخِناق، الآن كل البِلاد أقْرَضَتْني و لم أفِي لها بِوَعْدي أتَمنَّى أن لن يكون كلَّ العالَم غدًا. أنْتَقِد كلَّ شيء حتى الشُّعيْرات الَّتي تَنْموا في فَخْديَّ و لا تَنْمو في كل أنْحاء وجْهي، كأَّني أشُكُّ في خِلْقَتي فأنا ناقِص عقْلا، أدْركتُ ذلك مؤَخَّراً، رغم أنَّهم كانوا يُنادوني بالشَّيطان الصّغير في طُفولَتي، آنذاك تَساءَلت، كيف يُمكن للقَمر أن يُنير طَريقي و أنا أعيشُ في مُحيط ممْلوء بالوَحْل؟ لِلأسف! لم أجِد جَوابا. اِبتَعدْت عن أهْلي لأنّي أعْشقُ خلق المتاعب، و لأنّ لي هيْئَة حِصان و عقل عُصفور. من الطّبيعي أن أكْره لُعبة الشّطرنج، و كلّ شيء هادِئ، اِسْمي صابر، أكْبر خَطأ في التَّاريخ، لو كان بإمْكاني و حَضرت ساعَّة تسْميَّتي لغيَّرته عكس ذلِك، فمن طبعي الانْفِعال و الغَضب في ثانيّة أو أقل، من يدري؟!
عُدت إلى الغُرفة و أشْعلت المِصباح، صوْت أغنيَّة مغْربية بَطيئة يَتَسَرَّب بكل رعونة إلى أذنيَّ، كلِمات تردِّد " الصّدمة كانت قْوِية، قوية..." فَتَحت العُلبة، لم أجِد حتَّى عقِب سيجارة، صرخت أريدُ نارا... لا مُجيب! همسْت هناك حريق... حريق فظيع! قام أحدُهم، - أيْن؟
قلت: بداخِلي، أحْتاج سِيجارة.
شَتمني و عاد إلى ملَّاءتِه، قال: غداً سُنَعاقِبك على مُخالفتِك قوانين الغُرفة، كما سَتندم على إيقاظِك لي في مثل هذا...
لم أسْمع صوت آخر غائِط برَز من فَوهَته، حشَرت قدميَّ في صَنْدَل أحَدهِم، صَفَقْتُ الباب و انصَرَفْت مُتَرَجِّلاً في ضَيْقٍ عَصيب، زوْبعة في رأسي، جسَدي يَرْتَعِش، أسْناني تَصْطَك، فَشَلْت في إيقاف النَّزيف، مُغلق العَيْنين صوْب جَمال "البزْناز"، صَديقي الّذي ساعد على إدْماني. في وسَط الطّريق أدْركت أنّني أرْتدي ملابِس النَّوم وليْست بها جُيوب، فكّرت - سأقْتَرِض قِطْعة حَشيش و سيجارة – أكيد، جمال سَيُلبِّي طَلَبي هو الَّذي تَعرّف عليَّ كلاجِئ في هذه المدينة الشّاحبة منذ عُقود أو سِنين... لم أعُد أتَذكَّر ساعّة قُدومي هنا، كلُّ ما يُخَيَّل إليَّ هو دخّان يتَصاعد من أعْماقي، دخّان بِنُكْهة الشُّوكولاتة.
لم أعُد أميِّز شيئًا، لا طَريق فارِغ أو شاغِر، كِلاب، قِطَط و عشّاق اللّيل، المُتشرِّدون و الحَمقى.
كم هو مُظلم هذا الزُّقاق من المدينة القديمة، يَقولون أنَّه مَنبع الشَّر و فيه يُباع محرّك حياتي، قَتَلني الصّمت و نور المَتْجر المُزيَّف مُنْطَفِئ. بدون تفْكير توجَّهتُ صوْب منزل جمال في رأس الدَّرب، يُدركه حتّى أبناء أقْصى الأرض المُدمِنين مِثلي، حتّى إن لم يَفُت لهم القُدوم هُنا، فقَط بإِتِّباع حاسَّة مجْهولة التَّرقيم. كانت المَسافة سَنْتيمِترات قليلة تفْصل يَدي على باب منزِل جَمال عِندَما أمْسَكتها يد سمْراء، اِلْتَفتُّ مُسْرعا بِغَضَب، قُلت:
- من أنت؟ واتْرُك يدي.
- أنا أسْكُن في هذا الزُّقاق، ماذا تُريد من جمال؟
- أُريد حَشيش، أنا...
قاطَعني(لَيَزال مُمسكًا بِيَدي): - أتَدري، أنَّك بِنقْرك على هذا الباب، كأنّك تفتح سدَّادة ميَّاه الصَّرف الصِّحي.
كان فتى "مُرَّاكشيًّا"، يَتَحدّث مِثل كلَّ أبْناء هذه المَدينة، يَتَحدَّث مُراوغًا. قَتَلَني كَلامُه. قُلت ماذا تَعني بِقَوْلك هذا؟ و أَعَدت نظَري بِعِناد صوْب باب جَمال.
قال: - مِن خِلال لَكْنَتِك، أتبيَّن أنّك لسْت من هذه المدينة المتَّسِخة بنَجاسة الفَقْر و الاِحْتِقار.
تبًّا، دائمًا تصْطَدِم بنَفس الخِطاب، رَغْم صِغر حجْم هذا البَلد مُقارنةً معّ بُلدان أخرى، قُلت: - كلُّ البِلاد حقِيرة و فَقيرة، لا عليك يا صاحب. مُتغاضيًا على مَدينتي الأصْل.
- لكِن مدِينَتُنا أفْضَل من "باريس"، ألَا ترى أن كلّ ما تَحتاجه من...
لم أهْتَم لقَوْلِه، حاوَلت الدّق على الباب، فانْتَشَلَني إلى وَسط الزُّقاق تَقريباً، جذبتُ يدي، صارخاً في وَجْهه، - ألَا تَتْرُكْني و شَأْني؟
- سَأشْرح لك، لا تَنفَعِل، "ال عْزَاوِي" أنا فقط فاعِل خيْر.
صَرَخت مُجَدَّدًا: - فقَط اِبتَعِد عنِّي، لا أُريد خيْراً، جمال يَعرِفُنِي جيّداً و سَيَمْنَحُني طَلَبي بِدون تَرَدُّد، أنا زَبون قَديم، أنا...
- المُشْكِلة هي أنَّ جمال لا يوجَد الآن.
- ماذا تَقول؟ و أيْن ذهبَ ٳدَن؟
- منذُ حَوالي ثَلاث ساعّات أو ما يَزيد أخَذَتهُ الشُّرطة، لقَد كانت فَضيحة كبيرة هُنا، لقد شَوَّهوا صورَته في الحي، ضَحِك عليْه الصّديق و العَدو، تصوّر أنَّهم جرَّدوه من ثِيابه و أشْبَعوه ضرباً لمَّا رفَض الذَّهاب معَّهم. أمَّا الآن فزَوْجتُه، وهي عاهِرة من الدّرجة الأولى و أبْناءُه أبْناء الزِّنا غاضِبون جدّا.
أمسَكت بِرأسي، و أسْندتُ ظَهري على الحائِط لاعناً هذِه اللَّيلة الَّتي طالَت. أخذَ بِيدي، و قال: تَعال يا صاحِب، أُدْرِك أنَّك في حاجةٍ إلى تَدْخين الحَشيش، سَأُساعِدك على إيجادِه. بِدون تَردُّد، رافَقتُه صامتاً، أنْفي يَكاد يَخْتَفي من شدَّة البَرد، عيْناي لفَّهُما الضَّباب و زِلْزال يَكاد يهزُّ كِيَاني.
في زُقاق شديد الحلْكة، دفَع باب إحْدى المَنازِل المُتَلاشِيّة هُناك، صوتُ الباب يَكاد يَكون صَوت قطّة بَلَغت نشْوَةَ الجِماع. صَعَدْنا السّلالِم، وهو يقول: اتْبَعْني... من هُنا. و أنا شامِخاً رأْسي، مُركِّزاً نظَري إلى الأمَام مِثْل مُسْتَكْشف في جِبال "الهَملايا"، و الحَقيقة أنَّني لا أَرى شَيْئاً، لِأنَّني اِرْتَطَمْتُ بالنِّفايات المُتَراكِمة في جلّ أنْحاء المَنْزِل عدَّة مرّات و كِدت أسْقُط، لم يَنْتَبه لي لِأنَّ صوْت الموسيقى الشَّعْبيّة صاخِب جدّا. وصَلنا إحْدى الغُرف الّتي تُفرِز ضَوءاً خافِتاً من شُقوق بابِها، صار يسْتَرِق السَّمْع لِهُنيْهَة، ثُمّ تَمْتمَ ساخِراً: "رُبَّما أبْناء الزِّنا يَصْعدون الجَبَل الآن"، آنَذاك لم أُدْرك مقْصوده، دَفَع الباب و جرَّني من يدي للدُّخول كذَلك، رغْم كوْني غَريبا عن المَكان، دخَلْنا بِدون اسْتِئْذان. صافَح الجَميع و صار يُثَرْثِر كَلاما لم أَفْهَمه، كأنّ بي في عالَم آخر مع اِبْن إنْسان من عالَم آخَر، بَقَيْتُ واقِفاً، أُشاهِد الفَنْتازْيات أمامي، عددٌ لا مَحْدود من النِّساء و الرِّجال في غُرْفة واحِدة، لمْ أتَمَكَّن من إحْصاء عددِهم، الأَرْجَح هو أنَّ الذُّكور كانوا أكْثر من الإناث، وأنَّهُم في حَضْرة شخْص مشْهور، ربّما عازِف كَمان في إحدى بارات مرّاكش، رأيتُ الكَمان مُنتحبًا في أحد الأركان. الغُرفة كانت شاسِعة يَملؤُها دخّان الشّيشة، الحشيش و كل أنواع السَّجائر، أكادُ أدركُ ذلك، أنعَشَتني الرَّائحة لِبعض الوقت! المكان مَملوء بِبقايا الطَّعام و قارورات الخَمر بَعضُها فارغ و الأخْرى مَملوءة على الطَّاولة، حتى غِطاء الواقي الذَّكري مُنتَشِر مثل فَيْروس. أبْناء الزّنا لا يُنظِّفون مكان هرَجِهم و صَخَبِهم، و يَقولون مدينتُنا بِأَكْمَلها بائِسة، أو بَلَدُنا إن كنت أقول الحق. جاءَني أحَدُهم بسيجارة و قِطعة حشيش، جَلستُ في مَكاني لأنِّي لأزال أرْتَدي صَنْدلي، و صِرت أصْنع أفْعايَ الحُلوى، لم أطلُب الولَّاعة و إنَّما قُمت و أخَدْتُها من فوق الطّاولة، كلُّهم كانوا ينظُرون إلى هيْأتي، يُحَلِّلون و يُناقِشون وأنا شِبه غائِب، غاطِس في بَحْر سيجارَتي، أسْبحُ تارةً و أغرقُ تارةً أُخرى.
ما أنا فاعِله؟ أين أنا؟ كيف حدَث و أتيْتُ هنا؟ أصابَني الجُنون بعدما أتمَمْتُ سيجارتي. أُصِبْت بِنوعٍ من الهذَيان، أعْصابي اِهتزَّت مُجدّداً. حَمْلَقتُ عَيْناي، حَواجِبي انْتَصَبَت في وجْه الأرْضيَّة، و مِصباحٌ بداخلي أنَار فجْأةً، رغم أنّ نشْوة السِّيجارة الّتي دخَّنتُها بِعُمق لتَزال تجْري في عُروقي و بَين عِظامي، قد أحْتاجُ إلى ثَلاث أو أرْبع لِكي اَندمِج في مِثل هذا الصَّخَب. حاوَلتُ توديع الفتى المرّاكشي الذي أتى بي هنا، لكِنّه كان يرقُص مع إحدى الفَتَيَات، كأَنّ به يُريد مُضاجَعَتِها أمام الملءْ. كم كرِهتُ المكان، العالم و حتّى عَجيزَتي الَّتي تنمَّلت! قُمت و فَتَحتُ الباب، فإِذا بالفَتى ينقضُّ على كَتِفي مِثْلَما يَنقضُّ حيَوان على فريسَة، و أنا في طريقي إلى السَّلالِم في البَهو، شَعُرتُ بالخوْف في قَرارة نفْسي، حقيقة أوّل مرّة أُصاب بارتِباك منذُ مدّة طويلة لم أشْعُر به. قال:
- لِما أنتَ راحِل؟ ألَا تُكْمِل معَّنا السَّهرة؟
- (وجدْتُ مسْلكي في الكذِب، بالمُناسَبة أنا كذَّاب مُحْتَرِف): شكراً صَديقي على السّيجارة و على الاقْتِراح، إنَّها طيْبوبة مِنك. أنا أَعْمل في السّاعّة الثّامنة صباحاً، و أنا مُنهَك جدّاً، أُريد أخْد قسط من الرّاحة، و...
- (قاطَعَني) لا تُخيِّب أمَلي، إنَّها ساعّات قليلة و يَأْتي الصَّباح، و من هنا تذْهب إلى عَمَلِك.
- لا و حقَّ الله لا أسْتَطيع، أنا مُنْهَك الآن، و كَما ترى أنا لا أحْمِل ثِيّاب العمَل (و هل فات لي أن قُمت بِعَمَل له بذْلة خاصّة؟! هل أسْتَحِقُّه؟!) أعِدُك أنَّني سَأعُود غداً لأَراك. ولِكي أرُدّ لك جَميلَك.
- أخَذ يُثرثِر مِثل مِذْياع، أظنُّ أنّ الوَرقة الّتي رميتُ بها في الشَّارع تحمِل اِسمهُ و رقْم هاتِفه، من يدري؟ طلَب منِّي الانتِظار قَبْلما يأتيني بِتلْك الوَرقة و سيجارة لَعينة، قال: خُذ هذه إنّها محشوّة بالحَشيش دخِّنها و أنت في الطَّريق، سَتَنام بارتيَّاح، و سأكون في انتِظارك غداً.
ودَّعتُه بابْتِسامة ثَعْلب، مُردّداً بِداخلي... إنّني برؤْيَته مُجدّداً سأتَقَيّأ حتّى الموْت، كم أتمنَّى أن لا أُعاود رؤيَة مِثل هذِه الوجوه! لا يوجَد جميل في العالم بدون ثمَن، و هذا أمْرٌ مُؤكَّد مائة بِالمائة، جميل مع غُرباء... يا لِلفَظاعة.
نسِيَ اِبن الزَّانيّة أن يُعطيني ولَّاعة، لكنَّه كان ودوداً جدّا، إلى حدِّ إجْهاضِ نفْسه معَّ مَخْلوق فاقِد الإحْساس. أَنْعشَني التَّخلُّص منْه و نَسيم الفَجر، و أنا في الشَّارع إلى غُرفَتي البائِسة في ذلك الحي البَعيد، الحي الّذي لا أمتُّ له بصِلة فقَط جِناية خَطأ في الطَّبيعة، أمَّا مَكاني الحَقيقي فلَاأَزال أبْحَث عنْه... لَن أَغْضَب من طُول المَسافة لأنِّي شُفيت تماماً من هوْل الاصطدام، و لأنّي رجُل المَسافات الطَّويلة خُصوصاً بعْد البَرَء. الأرْجَح أنَّني سأدخُل الغُرفة، سأجِد اللُّقَطاء أصْدِقائي الّذين يَتَحمَّلون متاعِبي غارِقين في أحْلامهم تحْت ملّاءاتهم، سوْف أحْمل ولَّاعة و أذهَب إلى الشُّرفة، هُناك سَأُدخِّن هذه السّيجارة لكيْ أنام في العَسل حتّى ما بعد الظَّهيرة، ولَن ألتَزِم بِعَمَلي غداً، فَليَطْرُدني ربّ العَمل إن شاء، لن أهتَم، كم أكْرهُ الالتِزام!.
يا لَلهول! لم أُقفِل باب الغُرفة بالمِفْتاح، قد أجِد شيئاً اختُلِس، و قد أُعاقب غداً طِبقاً للقَوانين الحَقيرة الجاري بِها العَمَل داخِل نِظام المربَّع الصَّغير. سَبقَتني أنفاسي صوْب ملجَئي. البابُ مُشرَع، و صوتُ الشَّخير يُخيف حتّى "آل كابّوني"، تبّا! لَزالت أُغنيّة "الصّدْمة كانت قْويّة، قْويّة..." تنْشر سُمّها من تحتِ وِسادة أحَد النّائِمين، تَصَوَّرُوا تُعاد آلِياً طيلة اللّيْل، و هو يقول أنّها تُساعِده على النَّوم بِسُرعة، يا لِلغَرابة! صدْمة من أجل راحة. لو كُنت مالِك الغُرفة لكسَّرت مصْدر الإزْعاج... لو كان بإمْكاني لسَكَنتُ وحيداً، أفْعل ما أشاء بِكلّ حرّية. أخْرِس تِلك اللّعينة لقَد اِنتهَت الصّدمة الآن، اِنّه الفَجر، اِنه الفَجر و الشّمس ستُشرق قريباً.